عبدالله النيباري : العلانية أول الطريق في مكافحة الفساد.. الهند نموذجاً

عبدالله النيباري نائب سابق

عبدالله النيباري
نائب سابق

فيما نحن مشغولون بكارثة «داعش» والحوثيين، التي باغتت العراق واليمن، لفت نظري خبر عن مكافحة الفساد في الهند، بلد المليار إنسان، قد يصلح أن يكون نموذجاً يحتذى به في كيفية معالجة الأمم لقضاياها.

الخبر هو صدور حكم من محكمة ولاية تاميل نادو في جمهورية الهند بالسجن 4 سنوات وغرامة 250 مليون روبية، أي ما يعادل 4.7 ملايين دولار، بحق رئيسة مجلس وزراء ولاية تاميل نادو في جنوب الهند، جايارام جايالاليتا، بإدانتها بالفساد واستغلال النفوذ، للحصول بطرق غير مشروعة على ثروات طائلة لا تتناسب مع دخلها، إبان توليها رئاسة حكومة الولاية في الفترة من 1991 إلى 1996، حيث اكتشفت الشرطة الهندية لدى اقتحامها منزلها وتفتيشه، أن لديها 28 كيلو ذهباً، و750 زوجاً من الأحذية، و10 آلاف ساري، إضافة إلى تملكها أراضي زراعية في منطقة غنية مساحتها 2000 فدان.

من أين لك هذا؟

اللافت للنظر أن حيثيات الحكم لم تشر إلى حادثة محددة للتطاول على المال العام، كحادثة سرقة الناقلات والاستثمارات لدينا، وإنما أسست المحكمة حكمها على أن ما جمعته من ثروة لا يتناسب مع دخلها، وهو قريب من تطبيق مبدأ «من أين لك هذا؟»، وهذا المبدأ لو طُبق عندنا، لحظيت سجوننا باستضافة العديد من الشخصيات البارزة، التي استحوذت على ثروات البلد من الأراضي والأموال العامة، بمن فيهم أعضاء مجلس الأمة، أصحاب الإيداعات المليونية والمدانون بقضايا جزائية، كالتزوير وما شابه.

الحكم جاء بعد 18 سنة من التقاضي، فالشكوى بحقها قدمت عام 1996، والسيدة جايالاليتا، التي كانت ممثلة مشهورة، شخصية سياسية مرموقة، فهي طيلة هذه المدة هيمنت على رئاسة الولاية منذ عام 1991، وحزبها يُعد من الأحزاب القوية، فهو يحتل المرتبة الثالثة في البرلمان الهندي، ولديه 37 عضواً، وكان من المحتمل أن يدخل في تحالف مع حزب جاناتا لتشكيل الحكومة، أي أن جايالاليتا، وهي غير متزوجة، صاحبة نفوذ سياسي في الهند على المستوى القومي، وليس فقط على مستوى ولاية تاميل نادو، وهو ما يشير إلى أنه إذا ما توافرت الجدية في ملاحقة الفساد واجتثاثه، وإذا ما توافر أيضاً قضاء مقتدر ونزيه، فإن النفوذ الذي يملكه المعتدون على الأموال العامة لا يقف حاجزاً يصد إدانة الرؤوس الكبيرة.

العلنية في مكافحة الفساد

وتتميَّز الهند أيضاً في أسلوبها بمكافحة الفساد بالعلنية، فقضايا الفساد تطرح في تقارير حكومية معلنة تتداولها وسائل الإعلام، وبإمكان أي شخص أن يتعرَّف على قضايا الفساد منذ استقلال الهند، فموضوع العلانية، هو النظام والأسلوب المعمول به في الدول المتقدّمة التي تتوافر فيها قوانين تحكم تنفيذها محاصرة الفساد.

في الولايات المتحدة تنشر قوائم بالقضايا المحالة للمحاكم بتهم الفساد ونتائج التحقيق والأحكام الصادرة بشأنها، وهذه القوائم تشمل جميع قضايا الفساد منذ عهد أول رئيس للولايات المتحدة الأميركية، جورج واشنطن، وحتى اليوم، وتتضمَّن أسماء وزراء وقضاة وأعضاء الكونغرس بمجلسيه، بالإضافة إلى أعضاء المجالس، والحكومات المحلية، وشخصيات قيادية في الأجهزة التنفيذية، بما ذلك الـ»سي آي أيه».

العبرة

أما الكويت، التي أزكم انتشار الفساد فيها الأنوف، فيمكن أن تأخذ العبرة بما قامت به الهند، ولا نقول البلاد التي يسودها حكم القانون في الدول الغربية، بسن تشريعات لأحكام محاصرة الفساد وتبني أسلوب العلانية في إطلاع الناس على مسار ما يكتشف من قضايا الفساد، فمن غير المعقول أننا لا نعرف تفاصيل قضايا الإيداعات المليونية في حسابات النواب، ولا نعرف لماذا حفظ التحقيق في قضية سرقة الناقلات والاستثمارات ولا القضايا الأصغر منها، كقضايا الرشوة والاختلاس والمتاجرة بالعمالة الوافدة وشراء الأصوات في الانتخابات.. والحبل على الجرار.

نقلا عن جريدة الطليعة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*