أحمد الهندال : مخاوف الثورات.. تتبدَّد

أحمد الهندال عضو المنبر الديمقراطي

أحمد الهندال
عضو المنبر الديمقراطي

منذ اشتعال وهج الثورات في الأمصار العربية، والمواطن العربي يطرح سؤالاً مهماً، ولو كان قصد البعض فيه هو العودة إلى الأنظمة الدكتاتورية السابقة، والسؤال من سيخلف هذه الأنظمة؟

رغم أحقية هذا التساؤل، كون صاحبه يريد معرفة مصير وطنه بشكل عام، ومستقبله بشكل خاص، فإن ما خلفته الأنظمة الزائلة من ترسبات كانت كفيلة بأن ينظر المواطن إلى غيرها بمنظار الريبة، وأنها أتت لتأخذ محل سابقتها دون جديد أو تغيير حقيقي، بل مع مزيد من التعقيدات، خصوصا أن الشواهد الآنية تساعد هذه الفكرة، رغم أن ما يجري طبيعي، فإحلال نظام مكان آخر يحتاج إلى وقت من الزمن، كما أنه ما بين هذا النظام وذاك يسود شيء من الفوضى، ما يعني أن الأمة ستكون لردهة من الزمن بوضع المعيشي  ليس أفضل من سابقه.

حديث الثورات العربية وما بعدها حديث ذو شجون، وتحديداً لدى المواطن البسيط، الذي يطرح مثل ذلك التساؤل بنيّة حسنة، فما وجد من الثورات إلا صراع سياسي، وليس عملا ثوريا شاملا، فالهدف الجليّ كان الاستحواذ على السلطة، وليس خلعها من أنظمة اغتصبتها، إلى منحها للشعب ليقرر مصيره بإرادة كاملة دون القفز عليها من هذا وذاك.

ووسط كل هذه المحاولات لإعادة ثقة الجمهور بالثورة وأساسها، تطل علينا تونس من جديد، وهي التي قامت بقص شريط التغيير في المنطقة، لتعطينا درساً في تبدد المخاوف على الثورة الصحيحة من خلال انتخابات جديدة لعصر مختلف عن سابقه، رغم أن من نجح بأغلبية المقاعد هو حزب، أفراده ليسوا ببعيدين عن النظام السابق، بل كانوا في فترة من الفترات جزءاً منه، إلا أنه لم يختلف أحد على شرعية وصولهم، لأنهم جميعاً في الخضراء آمنوا بالطريق الصحيح من خلال ضمان التداول الصحي للسلطة، وحصّنوه تحصيناً كاملاً دون مجال للتثعلب عليه والانفراد بالحكم.

الحصافة السياسية في تونس كانت أكبر من قريناتها لدى أبناء الثورات، فعملوا بجد، اختلفوا في محطات، تنازل بعضهم عن السلطة التي اكتسبها من الشعب بعد أن وجد استياء منه على كيفية إدارتهم، ابتعدوا قليلا ولم يبعدوا.

جميعنا يعيش صراعاً شخصياً تارة، ومجتمعياً تارة أخرى، مع التساؤل الأول ومخاوفه، ولكن تونس بوعيها المختلف بددت تلك المخاوف لتعطي درساً بأنه إذا أردت سلطة صحيحة فأمّن تداولها.

نقلا عن جريدة الطليعة