المنبر الديمقراطي في ذكرى الدستور: نحو تفعيل الدستور كاملا وفق الأجندة الوطنية

دستور الكويت

صادف يوم أمس الثلاثاء (11 نوفمبر) الذكرى الثانية والخمسون ﻹقرار الدستور الكويتي الذي جاء ثمرة نضالات شعب كامل وقوى وطنية مؤمنة بالنهج والسلوك الديمقراطي في إدارة الدولة، كما شكل نقلة نوعية نحو دولة حديثة قائمة على مؤسسات دستورية، عندما حدد الدستور بين ثنايا مواده السلطات العامة الثلاث وآلية عملها بهدف خلق إدارة عادلة لكيان هذه الدولة تتساوى فيها الحقوق والواجبات والعدالة الاجتماعية وسيادة الأمة، فتوزعت الأدوار والمهام ومارست الأمة دورها الحقيقي من خلال الرقابة والتشريع.

استبشر المجتمع الكويتي بمختلف مكوناته، واستقبل هذه الخطوة بروح مفعمة بالتفاؤل وطموح كبير إلا أنه سرعان ما تم التراجع عن أحكامه من قبل العديد من الأطراف المؤثرة، سواء في السلطة أو من أصحاب النفوذ، فقامت بعرقلة عجلة التقدم والعمل بالدستور بهدف الاستئثار بالسلطة والاستحواذ على مقدرات الأمة، فاستخدمت كافة الوسائل التي تسهم في تجميد وتأخير العمل بالدستور، فخلقت مناصب سيادية حكرا على الاسرة وتعيينات وزارية يحكمها الترابط المصلحي في اغلب الأحيان، ثم اتجهت إلى فرض القوانين المقيدة للحريات بعد وفاة اﻷمير الشيخ عبدالله السالم، وكذلك تزوير الانتخابات عام 1967، تلاه الحل غير الدستوري اﻷول عام 1976 ومحاولة تنقيح الدستور، لتأتي في عام 1981 وتقدم على تعديل النظام الانتخابي لضمان وصول أغلبية موالية، ليتواصل هذا النهج بالحل غير الدستوري عام 1986 وفرض المجلس الوطني عام 1990، حتى وقعت البلاد أسيرة للاحتلال العراقي في الثاني من أغسطس 1990.

وخلال فترة الاحتلال التي دامت لسبعة أشهر، حاولت السلطة التنصل من الالتزام بالدستور في مؤتمر جدة الشعبي الذي عقد في أكتوبر 1990، إلا أن القوى الوطنية الديمقراطية استطاعت ايقاف هذا التوجه السلطوي، وفرضت عليها الشرعية الدستورية المتمثلة في التوازن المجتمع الذي كفله الدستور في المادتين الرابعة والسادسة منه.

وعلى الرغم من التعهد بعودة العمل بالدستور كاملا بعد التحرير، إلا أن السلطة نكثت بوعودها وأعادت المجلس الوطني غير الشرعي، وتحت وطأة الضغوط الشعبية عادت الحياة الديمقراطية والبرلمانية وفق الدستور وأحكامه في أكتوبر 1992.

ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، لم تتوقف السلطة عن افتعال الصراعات واﻷزمات الهادفة لعرقلة العمل الدستوري، ولعل آخرها تعديل النظام الانتخابي.

لقد انعكس التراجع عن تفعيل أحكام الدستور على الأوضاع العامة التي ساءت على كافة الأصعدة والمستويات، فأصبحت الخدمات التي تقدمها قطاعات الدولة في حالة تردي كبير وهو ما نلحظه في التعليم والصحة والبنى التحتية والخدمات الاجتماعية وهي اﻷمور التي تمس المواطن بشكل مباشر.

إضافة الى ذلك التحديات التي تواجه الاقتصاد الكويتي الذي يعتمد على مصدر وحيد ناضب، وعدم قدرة الحكومات المتعاقبة على ايجاد أرضية مناسبة للتطوير الاقتصادي، وبفضل عدم وجود سياسة تنموية حقيقية ورائدة تحول المجتمع الكويتي من مجتمع منتج قبل النفط إلى مجتمع مستهلك تتحكم فيه القوى الاستغلالية والمتنفذة.

لقد أفضت هذه اﻷمور مجتمعة في إلى استمرار مسلسل التجاوزات على الدولة، تارة بالتعدي على أملاكها، وتارة أخرى في الاعتداء على المال العام، بل وصل اﻷمر للتنفيع المباشر للفوائض المليارية التي كان يفترض أن توجه نحو برامج تنموية بدلا من تنمية وتوسعة دوائر الفساد واﻹفساد حتى طالت أقطابا وكتلا مختلفة وهو ما أدى موجات شعبية متلاحقة من الاحتجاجات التي خرجت بأشكال مختلفة، رافضة حالة التردي العام في البلد، إلا أن السلطة تعاملت معها بمنطق القمع والعنف، والانتقائية والتمييز مستخدمة أساليب ساهمت في رفع حالة الاحتقان الشعبي وتصاعدت معها وتيرة الطرح الطائفي والقبلي والعائلي، ما يهدد وحدة وتماسك المجتمع.

والمنبر الديمقراطي الكويتي بهذه المناسبة إذ يستذكر الدور الكبير لرجالات الكويت الذين ضحوا بأرواحهم من أجل الوصول إلى مجتمع ديمقراطي تكون السيادة فيه للأمة، كما يؤكد في السياق ذاته على أهمية توحيد كافة الجهود الوطنية الصادقة عبر تبنيها منهجا وطنيا متوافقا عليه ينطلق من دستور 1962 من خلال المطالبة بتفعيله كاملا غير منقوص، كما يطالب السلطة بممارسة الحكمة والرشد والتعاون الحقيقي والجاد مع مكونات المجتمع الكويتي وصولا لما نصبوا اليه جميعا ﻹنقاذ الوطن من حالة التراجع والتخبط والفساد نحو التقدم والتنمية والأمان، فالكويت اليوم تواجه تحديات خطرة في ظل توتر اﻷوضاع في منطقة الشرق اﻷوسط، ووسط تحديات اقتصادية عالمية ودولية وهو ما يعني ضرورة التقارب الوطني ووأد الخلافات والفتن في مهدها اللذان لن يتحققا إلا بالاحتكام لهذا الدستور بصورة عملية لا شكلية ضمانا لحقوق المجتمع.

ويدعو المنبر الديمقراطي الكويتي كافة القوى السياسية الكويتية المؤمنة بالدستور والعمل المؤسسي والملتزمة بمفهوم الدولة الديمقراطية المدنية للالتقاء على أجندة وطنية للإصلاح السياسي للخروج من المأزق الذي نعيشه البلاد.