عبد الله النيباري : «أوبك».. ومواجهة هبوط أسعار النفط

عبدالله النيباري نائب سابق

عبدالله النيباري
نائب سابق

ما زالت أسعار النفط تواصل هبوطها، حيث انخفضت أسعار نفط سلة «أوبك»، في نهاية الأسبوع الماضي إلى 75٫15 دولاراً، وانخفض سعر برميل النفط الكويتي إلى 73٫52 دولاراً (القبس 15 نوفمبر 2014)، ولا تلوح في الأفق بوادر توقف لهذا الانحدار المتسارع في أسعار النفط، بل إن هناك من يتوقع أن الانخفاض قد يستمر حتى يصل إلى 50 دولاراً.

طبعاً، أكبر المستفيدين من هذا الهبوط هي الدول المستوردة للنفط، في حين أن أكبر الخاسرين هي الدول المنتجة والمصدّرة للنفط، وعلى رأسها دول «أوبك»، التي تنتج وتصدر 30 في المئة من الإنتاج والاستهلاك العالمي.

الإشكالية التي تواجهها دول «أوبك» هي اعتمادها الكبير، وربما الزائد، على عائدات النفط لتمويل المصروفات في ميزانية الدول.

سعر التعادل

كل دول «أوبك»، فيما عدا ثلاث، هي: الكويت والإمارات وقطر، تحتاج إلى سعر يتجاوز الـ90 دولاراً لتغطية جانب الإنفاق في ميزانياتها، وهو ما يسمى «سعر التعادل»، وأقل من ذلك يعني مواجهة عجز في ميزانياتها، وفيما عدا السعودية، التي قد تلجأ إلى السحب من احتياطياتها المستثمرة في الخارج، أو الاقتراض من السوقين المحلي والدولي، فإن بقية الدول لا تسعفها معاناتها الاقتصادية للجوء إلى الاقتراض، وليس لديها من الاحتياطيات ما يغطي مصاريفها.

فما الحل إذن؟

تنقسم دول «أوبك» إلى فريقين، الأول: فريق الصقور، الذي يطالب بتخفيض الإنتاج لسحب الفائض في سوق النفط لإعادة الأسعار إلى مستواها السابق على الانحدار، ويجمع هذا الفريق فنزويلا وإيران ونيجيريا والعراق كدول أساسية.

أما الفريق الثاني فتقوده المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، وهو يتبنى مقولة الاعتماد على قوى السوق، العرض والطلب، وهي كفيلة بتصحيح أوضاع الأسعار وإعادتها إلى مستوى قريب مما كانت عليه، وربما يسند هذا الموقف أن انخفاض الأسعار قد يؤدي إلى توقف إنتاج النفوط ذات الكلفة الإنتاجية العالية، ومنها النفط الصخري.

ولكن حتى هذه النفوط، العالية الكلفة، لن تتوقف عن الإنتاج بسبب الاستثمارات الضخمة، التي وضعت في الإنتاج، وخاصة النفط الصخري، فهي تحتاج وفق تقديرات الخبراء إلى 95 دولاراً للبرميل، لأن البنوك المقرضة تبني حساباتها على أساس 80 دولاراً لتغطية التكاليف، وعشر دولارات أرباح، وضمان سداد المقترضين لديونهم.

منظمة أوبك

وبالعودة إلى منظمة أوبك، فإن التوقعات تشير إلى أن اجتماعها في 27 نوفمبر الجاري لن يكون حاسماً، لاختلاف المواقف، ورفض السعودية اللجوء إلى تخفيض الإنتاج والاعتماد على قوى السوق.
من خلال تاريخ منظمة دول أوبك، فإن الغرض من تأسيسها هو المحافظة على الأسعار التي تضمن قيمة عادلة لثرواتها النفطية، ودخلاً مناسباً للوفاء باحتياحات شعوبها.

والتدخل لتصحيح انحرافات السوق، وما يسببه من تقلبات في أسعار النفوط، هو وظيفة المنظمة الأساسية، فقد كان إنشاء منظمة أوبك في البداية للرد على الشركات التي كانت تتحكم في تحديد السعر قبل عام 1960، وقامت بتخفيض الأسعار، ومنذ ذلك الوقت ومهمة «أوبك» الأساسية هي الدفاع عما تراه سعراً عادلاً لنفوطها.

وهذا ما حصل عام 1973 – 1974، عندما قررت هذه الدول رفع الأسعار إلى ما فوق 12 دولاراً للبرميل، وبعد الثورة الإيرانية عام 1979، ارتفعت الأسعار إلى 35 دولاراً.

وكان رد الدول الصناعية الكبرى، وهي أكبر المستوردين للنفط، أنها اتخذت إجراءات لتشكيل وكالة الطاقة الدولية لمواجهة ارتفاع الأسعار، بتشجيع الإنتاج من خارج «أوبك»، وتشجيع إنتاج الطاقة من مصادر بديلة، وإجراءات توفير استهلاك الطاقة، وكان لهذه الإجراءات، إلى جانب دخول هذه الدول في مرحلة الانكماش الاقتصادي، أن خفّضت أسعار النفط من 35 دولاراً للبرميل إلى ما دون العشرة دولارات، وهو ما شكّل أزمة لدول «أوبك»، وكان ردّها اللجوء إلى تنظيم الإنتاج، للحد من وجود فائض في السوق بالضغط على الأسعار باتجاه التخفيض، واتخذت قراراً بتبني نظام توزيع حصص الإنتاج لكل دولة ما عرف بـ»نظام الكوتا»، كما تبنت تحديد السعر لنفوط «أوبك» عند 18 دولاراً، وبسبب عدم التزام الدول بنظام الحصص، وتجاوز بعضها الحصص المقررة لها، واجهت انخفاض الأسعار إلى معدل 12 دولاراً، وهو ما أدى إلى إطلاق صدام حسين مقولة «قطع الأرزاق أقسى من قطع الأعناق»، واتخذها مبرراً بعد ذلك لغزو الكويت.

على الرغم من اجتماع دول «أوبك» قبل الغزو بمدة قصيرة في جدة، ثم في فيينا، قرر التزام دول «أوبك» بسعر 18 دولاراً.

وفي مرحلة التسعينات ظل هذا السعر هو الملتزم به في دول «أوبك» مع نظام الحصص، ولكن في عام 1997، قررت دول «أوبك» زيادة إنتاجها بمقدار 2٫7 مليون برميل يومياً، ما أدى إلى انخفاض الأسعار بمقدار عشرة دولارات من معدل 23 دولاراً للبرميل إلى ما بين 11 دولاراً و13 دولاراً، وفي مواجهة ذلك، اتخذت قراراً بتخفيض إنتاجها بمقدار 1٫7 مليون برميل يومياً.

وفي عام 1999 انخفض إنتاج «أوبك» بمقدار 3 ملايين برميل يومياً، مما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط إلى 25 دولاراً للبرميل.

وفي عام 2001، بسبب تدفق النفط الروسي، والضعف الاقتصادي في الدول الصناعية، عادت «أوبك» إلى تخفيض إنتاجها بمقدار 3٫5 ملايين برميل يومياً، وحددت سعر نفوط «أوبك» بمعدل 28 دولاراً.

وفي العامين 2004 و2005 تناقصت الاحتياطيات التجارية من النفط الخام والمنتجات النفطية في الدول الصناعية، ما أدى الى صعود الأسعار إلى ما بين 40 و50 دولاراً للبرميل، ثم ابتداء من عام 2006 أخذت اتجاهاً تصاعدياً، لتصل الى ما فوق المئة دولار، لتعود الى الانخفاض بعد الأزمة الاقتصادية عام 2008 – 2009، إلى ما تحت الأربعين دولاراً، وفي مواجهة ذلك، لجأت «أوبك» في بداية 2009 الى تخفيض إنتاجها بمقدار 4٫2 ملايين برميل يومياً، ما ساعد على استئناف صعود الأسعار إلى المستوى الذي كانت عليه، 114 دولاراً للبرميل قبل أكتوبر الماضي، عند بداية الانحدار الذي نواجهه الآن.

فإذا كانت «أوبك» قد لجأت منذ عام 1973 – 1974، إلى التدخل لتصحيح آليات السوق إما بتحديد سقف إنتاجها وفقاً لنظام تقاسم الحصص وتحديد أسعار نفوط «أوبك» كما حدث في عام 1973 – 1974، وفي عقد الثمانينات ثم في العقد الأول من القرن الحالي، فما الذي يحول دون الاتفاق على تخفيض الإنتاج للمحافظة على معدل سعر عادل لنفوط «أوبك»، يوفر لها دخولاً معقولة لثرواتها الطبيعية الآيلة للنضوب، ويقيها أعباء مواجهة العجوزات في موازناتها، إذا ما نقصت عائدات النفط عن تغطية النفقات العامة من ميزانياتها؟

مقلا عن جريدة الطليعة