حبيب السنافي : حذار حذار من الاتفاقية الأمنية

حبيب السنافي عضو المكتب السياسي

حبيب السنافي
عضو المكتب السياسي

إصرار حكومات الأنظمة الخليجية على الإمضاء بالموافقة على الاتفاقية الأمنية الخليجية، على عجالة، أمر مريب، وكأن هذه الاتفاقية سترسي دعائم الأمن الداخلي والخارجي لهذه الأنظمة، والأمر ليس كذلك، فهذه الاتفاقية – ربما – ستكون فتيل أزمة بين الأنظمة الخليجية، أقلها عدم ركون الأنظمة الخليجية إلى دساتير تضمن الحد الأدنى لحقوق المواطنة وحريات الأفراد، أو اختيار دساتير متقدمة تكون مراجع قانونية قادرة على احتواء الأزمات الناشئة فيما بين الأنظمة الوراثية.

فلو كانت هناك فيدرالية بين دول المنطقة، وكانت هناك محكمة خليجية موحَّدة، يُطمأن لأحكامها الصادرة تبعاً للقوانين الدولية، لسهل الأمر واطمأنت النفوس، أما أن تكون محاكمة المشتبه بهم وفق أعراف الدول المدعية عليهم، فالعدالة حتماً تغدو منقوصة لفقد العديد من هذه الأنظمة للقوانين الضامنة والراعية للحقوق الإنسانية بصورة عامة.

السياسات الداخلية والخارجية للأنظمة الخليجية متفاوتة، وعلى طرفي نقيض، والعلاقات بينها غير ناضجة، ويمكن أن تتأزم لأي اختلاف في وجهات النظر، وعلى فرضية قيام أي نظام خليجي باستدعاء عدد من مواطني دولة أخرى، أو أحد أفراد أسرتها الحاكمة، أو أحد مسؤوليها، فمن المحتمل أن يثور كبرياء الحكم العشائري للدولة الثانية، وتعد ذلك محاولة للنيل من رعاياها، وانتقاصاً من سمعتها، وتبعات ذلك ليست بالمحمودة.

كيف يمكن الإجماع على اتفاقية أمنية محض، والأنظمة الخليجية منقسمة بين مؤيد ومعارض لكثير من المشاريع الإقليمية، كمشروع الربيع العربي، أو المصالحة العربية – الإسرائيلية، أو مشروع النفوذ الإيراني على منطقة الخليج وما جاورها.

الاتفاقية الأمنية لا تغني بالتأكيد عن تحصين الجبهات الداخلية لدول الخليج، وإشاعة الأمن الاجتماعي فيها، وهي محاولة مكشوفة لبناء جدار أمني لحماية أنظمتها من التهديدات والمخاطر الداخلية، أكثر منها للمخاطر الخارجية، والولاء للأنظمة الخليجية أضحى يُفرض فرضاً بالرقابة الأمنية، وتعميم الشبهات، وسن القوانين السالبة للحريات الشخصية، والمصادرة للحقوق المدنية التي كفلتها التشريعات الدولية.

الاتفاقية الأمنية سياسياً غايتها الانتقاص من حقوق المواطنين، بانتقاد استبداد أنظمتهم، واستنكارهم لجبروت المسؤولين الفاسدين، وحجرهم عن المطالبة بتكوين وتطوير مؤسسات المجتمع المدني بما يتلاءم والمتغيرات السياسية والاقتصادية والتحولات الاجتماعية المتسارعة للمزيد من الحرية الفردية والمجتمعية.

الإخلال بالأمن القومي عند حكام المنطقة ينطلق من الشعوب، وهذا تصور خاطئ تماماً، فهو ينطلق من الهاجس النفسي وعقدة الشك والارتياب بين حكام المنطقة أنفسهم، وكأن بعضهم يتربَّص ويتحيَّن الفرص لتقويض أو ضعضعة حكومة الآخر، وذلك ما تشهد عليه العلاقات المقلقة بين الأنظمة الخليجية، لتبقى معاني الوحدة الخليجية متمثلة في أبهى مفرداتها بأغنية «خليجنا واحد، وشعبنا واحد، يعيش يعيش»!

نقلا عن جريدة الطليعة